السبت، 12 مارس 2011

من أرشيف حشد الوحدوي : مساهمة في نقد الدستور الإنتقالي 2005

باسمك اللهم نبدأ

مساهمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الوحدوي

"حشد الوحدوي"

في نقد مسودة الدستور الانتقالي لعام 2005م

مـقــــدمة

على الرغم من أننا نعلم بأن هذا الدستور سيكون دستوراً انتقالياً لفترة ثلاثة سنوات أو أكثر , ونعتقد تماماً بأنها ستكون فترة تأسيسية لتعزيز الثقة بين أبناء الوطن والتأكيد على رغبة الغالبية العظمى في تمتين الوحدة الوطنية والتأسيس للدولة الديمقراطية الحديثة ودولة سيادة القانون, إلا أننا رأينا أن ندلي بدلونا بورقة الملاحظات هذه , حتى نكون قد سجلنا للتاريخ رأينا وموقفنا الواضحين , والذين نأمل أن يكونا إيجابيين ويصبا في مصلحة الوطن العليا ووحدته الجغرافية والبشرية والحفاظ على كرامة وحرية وحقوق جماهير شعبه كافة من غير تمييز , ونحن إذ نُعلن هذه الملاحظات , نرجو ونأمل أن يهتدي بها كل المنوط بهم إجازة هذا الدستور الانتقالي , ومن بعدهم الذين سيراقبونه ويعملون على تنزيل موجهاته وروحه إلى أرض الواقع حتى لا يكون مثل سابقيه ويغلق في خزائن الدولة , ويهمل على أرفف المكتبات.

وقبل أن ندلي بملاحظاتنا حول الدستور وبعض بنوده , نود أن نذكر الجميع بأننا وحسب معرفتنا المتواضعة , نعلم بأن جميع الدساتير والقوانين الأساسية تضعها الشعوب ونوابها السياسيين الشرعيين , وليس التكنوقراط المعينين من قبل الوزارات الانتقالية أو الشمولية والغير شرعية , ثم من بعد ذلك يأتي دور رجال القانون والمتخصصين الحقوقيين وعلماء اللغة لوضع الصياغة القانونية واللغوية المتينة. وعلى ذكر اللغة فإننا نود أن نذكر أيضاً الجميع , بأن كلمة دستور كما علمنا أصلها فارسي وتعني تقييد صلاحيات الملِك أو المُلك , ونستعملها نحن في السودان دارجياً للدلالة على تلك القطع الحديدية المصممة بطريقة هندسية عبقرية لتقييد وحجز إطار الباب أو الشباك , أو كما نقول له ( الحَلِقْ ) مع جدار المنزل أو المبنى , ولكن للأسف الشديد فإننا نلاحظ أن جميع دساتير دول منطقتنا الموبوءة بداء الشمولية والفكر الأحادي , فإنها قد عملت على عكس هذا المعنى وتفريغه مما أبتكر أساساً من أجله , فصارت دساتيرنا بدلاً أن تقيد صلاحيات الملك أو رئيس الجمهورية , فإنها تقيد صلاحيات الشعوب والجماهير الكادحة , وتكتم أنفاسهم , خاصة بواسطة القوانين المنبثقة من هذه الدساتير التي دائما ما تقرأ في شكلها العام أجمل المعاني وأسماها , ولكنها تصنع الثغرات وتقنن إفراغ الدستور من محتواه الديمقراطي والحقوقي بتزييل كل بند بعبارة ( إلا بقانون .. !! ) كما سوف سنبين لاحقاً في نقد بعض بنود هذا الدستور. فنحن هنا ندعو الجميع إلى الانتباه إلى أن هذا الدستور لم ولن يكون غير كونه دستوراً انتقاليا , وهو مثله مثل جميع الدساتير التي وضعت في الماضي بواسطة الأنظمة الشمولية , وآخرها دستور 1998م , فكلها لم توضع بواسطة ممثلين شرعيين لجماهير الشعب السودانية , وعليه فإننا نكرر رجائنا من الجميع على الوعي الدائم والوضع في الاعتبار انتقالية هذا الدستور لحين صياغة وإجازة دستور دائم بحق وحقيقة , ويجب أن يفهم هذا الأمر بوعي عميق . ويجب أن نعمل جميعنا على أن يأتي رجال ونساء منتخبين ديمقراطياً بعد نهاية الفترة الانتقالية لمراجعة هذا الدستور , ومن ثم وضع عقد اجتماعي ونظام أساسي دائم , قائم على أسس الديمقراطية و الحرية والمساواة والعدل الاجتماعي وحقوق الإنسان وثوابت الوحدة الوطنية.ونحن نعتقد بأن القائمين على أمر البلاد والعباد قد وضعوا العربة أمام الحصان كما يقولون , حينما عمدوا إلى وضع دستور انتقالي نخشى أنه سيكسب صفة الديمومة إن لم تتغير العقلية السياسية لبعض المتنفذين في الدولة والحركة الشعبية , نقول أنهم عمدوا إلى صياغة دستور للبلاد قبل تكوين مجلس تشريعي انتقالي وحكومة وحدة وطنية انتقالية.

وعلى كل حال إننا نرجو ونتمنى أن كل شئ يمكن تداركه إن خلصت النوايا وتسامى الجميع فوق النزعات الذاتية والغرض والهوى.

وأيضاً نود أن نثبت في تبياننا هذا, وعلى الرغم من أننا نعتقد بأن هذا الحديث من الممكن أن يكون قد فات أوانه , ولكن لا بأس من التذكير , إننا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الوحدوي , وعبر بياننا التأسيسي , كنا قد اقترحنا , وفي سبيل إيماننا الراسخ في أهمية دسترة صلاحيات رئيس الجمهورية , فقد اقترحنا إتباع النظام الرئاسي / البرلماني التكاملي المختلط وذلك بإدخال نظام منصب الوزير الأول أو رئيس الوزراء ليتقاسم الصلاحيات مع رئيس الجمهورية , ورشحنا لذلك أيٍ من القيادات الجنوبية المقبولة من الجميع , مثل الدكتور والأديب الشاعر فرانسيس دينق , وكان يمكن أن تكون هذه الشخصية , السيد الدكتور جون قرنق ديمابيور رئيس الحركة الشعبية تكميلاً لاتفاقية السلام , وتعزيزاً للوحدة الوطنية الحتمية وترسيخاً للنظام الديمقراطي. و قد يلاحظ المطلع على هذه الورقة أننا قد ركزنا على تذكير الناس بأن لا ينسوا بأن هذا الدستور قد عُنِيَ له , وحسب اتفاقية السلام , والوعود بالتحول الديمقراطي الكامل , عُنيَ له بأن يكون دستوراً انتقاليا , والسبب في ذلك أننا مهمومون جداً بشأن ما بعد الفترة الانتقالية , لأننا وحسب قراءتنا للسمات العامة والشكل العام لهذا الدستور تملكنا شعور قوي بأن الذين كتبوه وخاصة ممثلي الإنقاذ والحركة الشعبية , لم يأبهوا ببعض التفاصيل التي تبعث رسالة قوية بأن هذا الدستور لا يملك من كونه انتقاليا غير اسمه , وسوف نبرهن على ذلك من خلال نقدنا وملاحظاتنا لاحقاً. وذلك هو أحد الأسباب الرئيسية التي جعلتنا نقرر أن نهيئ أنفسنا وننظم صفوفنا لكي نساهم في المرحلة القادمة , ألا وهي مرحلة الانبعاث الديمقراطي , عبر منبرنا المستقل ومع كل الذين تجمعنا بهم الحدود الدنيا من الرؤى السياسية والإستراتيجية الواضحة وفي مقاعد المعارضة القوية والبناءة. وعليه , فإننا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الوحدوي , وتمشياً مع موجهات شعارنا الذي سنناضل من أجله بكل إخلاص وتجرد , ألا وهو العمل (من أجل العدالة الاجتماعية والخيار الحر والقوة المستدامة) أو ( الاشتراكية الواقعية والديمقراطية الناضجة والوحدة الوطنية السودانية ) , وحرصاً منا على التأسيس لفلسفة المعارضة الإيجابية والبناءة نعلن الملاحظات الآتية :-

1/ في نقد طبيعة الدولة:

المادة (1) / (1) و المادة (4) / (أ) {دولة ديمقراطية لامركزية ). إن دولة الإنقاذ أسست للنظام الاتحادي أو الفدرالي الذي نؤيده نحن كاشتراكيين ديمقراطيين وحدويين ،وتاريخياً معلوم أن احد أهم أسباب استمرار الصراع في جنوب السودان هو عدم استجابة المركز منذ البداية لرغبة أهلنا في الجنوب في النظام الفدرالي ،فنحن حقيقةً لا ندري لماذا تحاشي هذا الدستور إبراز مبدأ الفدرالية والاستعاضة عنه باللامركزية المبهمة والتي أثبتت أنها لا تدل علي نظامٍ سياسي علمي بعينه ؟ .

2/ في نقد المبادئ الأساسية للدستور:

المادة (4) / (د): { تُستَمَد سلطة الحكم وصلاحياته من سيادة الشعب وإدارته التي تمارس عن طريق (الاستفتاء ) والانتخابات الحرة المباشرة (والدورية ) التي تجري في اقتراع سري عام لمن بلغ السن التي يحددها القانون.} فنحن هنا نتحفظ علي مبدأ الاستفتاء الذي وضع في هذه المادة بصيغة اطلاقية ، ولم تحدد المادة متي يُلجأ إلي الاستفتاء ونخشى أن تستخدم هذه الثغرة ونرجع إلي زمان ( قلناها نعم للقائد الملهم ) , فعلى الرغم من أن المادة (217) / (1) تقول : { يجوز لرئيس الجمهورية , أو المجلس الوطني بقرار يؤيده أكثر من نصف أعضائه , إحالة أي مسألة تتعلق بالمصلحة الوطنية أو المصلحة العامة للاستفتاء } , فإننا نرى أن يحدد الدستور الحالات التي يستخدم فيها الاستفتاء مثل إجازة الدستور نفسه أو القوانين التي تختلف حولها مؤسستي رئاسة الجمهورية والجهاز التشريعي والفشل في إجازتها وحينئذ إحالتها لاستفتاء جماهيري عام , وأيضاً بعض القرارات المصيرية مثل الانضمام لكيانات أو تكتلات سياسية و/أو اقتصادية إقليمية أو دولية .

3/ في نقد مصادر التشريع :

المادة (5) / (1) و(5) / (2) : - على الرغم من المحاذير التي تواجه انتقاد مثل هذه البنود , والخوض في مثل هذه المساحات التي جعلتها العقلية الأحادية والشمولية , مساحات محرمة , ولكننا نقول بكل إخلاص وتجرد , إن هذين البندين لا يساعدان إطلاقاً على قومية الحكم وترسيخ الوحدة الوطنية , ونحن لا يمكننا أن ندعي بأن لدينا الآن مقترح بديل ولكن علينا جميعاً أن نجلس ونخضع هذين البندين لدراسة متأنية، والاستفادة من تلاقح الأفكار والمقترحات المختلفة .

و للفائدة العامة فإنها تقرأ كالآتي:

· (5)/(1): تكون الشريعة الإسلامية والإجماع مصدراً للتشريعات التي تسن على المستوى القومي وتطبق على ولايات شمال السودان.

· (5)/(2): يكون التوافق الشعبي وقيم وأعراف الشعب السوداني وتقاليده ومعتقداته الدينية التي تأخذ في الاعتبار التنوع في السودان, مصدراً للتشريعات التي تسن على المستوى القومي, وتطبق على جنوب السودان أو ولاياته.

4/ في نقد باب المواطنة والجنسية:

المادة(7) البند (3):ــ وهنا نأتي لنقرأ معاً أول وأخطر مثال من جملة أمثلة تستخدم فيها عبارة ((إلا بقانون )). فنحن نرى أن مثل هذه المواد تطلق يد سلطات الدولة في إصدار القوانين التي من الممكن أن تنتهك بها بعض الحقوق الأساسية للمواطن مثل نزع الجنسية وغيرها , حيث تقول هذه المادة:{ ينظم القانون المواطنة والتجنس , ولا يجوز نزع الجنسية عمن اكتسبها بالتجنس إلا بقانون.)

5/ في نقد باب التعليم والعلوم والفنون والثقافة:

المادة(13) / 1 / ب:ــ تقرأ هذه المادة:ــ {يحق لأي فرد أو جماعة إنشاء ورعاية المدارس الخاصة والمؤسسات التعليمية الأخرى في كل المستويات حسب الشروط والمعايير التي يحددها القانون.) , هذا الحق بالنسبة لنا كاشتراكيين يعد تكريساً للتهرب الواضح لمؤسسات الدولة عن القيام بواجبها في تقديم الخدمات الأساسية للمواطن ولا يخفي علي الجميع المعاناة التي تكبدها المواطن البسيط من جراء تحرير الاقتصاد عموماً والتوجه لأسلوب اقتصاد السوق ورمي المواطن تحت رحمة آلة آلية السوق التي لا ترحم من غير القيام بتدابير اجتماعية استباقية , خاصة في مجال التعليم الأساسي والثانوي العالي , حيث تدهور المستوى الأكاديمي والتنظيمي والبنى التحتية في مدارس القطاع العام بسبب تجفيفها من المعلمين والمعلمات الأكفاء وذوي الخبرة العالية بسبب الإغراءات المالية التي ترفض الدولة أن تدخل منافساً فيها بالتقييم العادل والمجزي لكوادر التربية والتعليم , وذلك مما رفع مستوى الفاقد التربوي والأكاديمي في قطاع التعليم الحكومي.

6/ في نقد المفروضات المالية:

المادة (20) / (1): { لا تفرض ضرائب أو رسوم أو مستحقات مالية, إلا بموجب قانون.), هنا أيضاً يأتي الدستور ليعطي باليمين ما سوف يأخذه سيف القوانين بالشمال , ولقد علمنا بأنه قد قدم اقتراح داخل لجنة صياغة الدستور بأن تضاف إلى عبارة إلا بقانون , عبارة أخرى لتقرأ : (إلا بقانون في مجتمع ديمقراطي),ولقد عمل بها في بعض المواد، ومثال لذلك المادة (39) / (2) حيث تقول (تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى وفقاً لما ينظمه القانون في مجتمع ديمقراطي .) , والمادة (40) / (2) والتي تقول: ( ينظم القانون تكوين وتسجيل الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والاتحادات المهنية وفقاً لما يتطلبه المجتمع الديمقراطي. ) فهنا كانت مسودة الدستور واضحة ومحددة إلي حد ما ، ولكن للأسف الشديد لم يعمل بذلك في كثير من المواد الهامة والخطيرة ، ومثال لذلك المادة (39) / (1) والتي تقول ( لكل مواطن حق لا يقيد في حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والمطبوعات والوصول إلي الصحافة دون مساس بالنظام والسلامة والأخلاق العامة ، وذلك وفقاً لما يحدده القانون .)

7/ في نقد نظام الحكم اللامركزي :

المادة (24) ببنودها الأربعة , تتحدث عن مستويات الحكم في نظام الحكم اللامركزي الذي أقره هذا الدستور الانتقالي , وهي في رأينا تؤسس لإنفصام إداري واضح بين نظام الحكم في جنوب البلاد وبقية أقاليم السودان المختلفة والتي تطالب جميعها بالمعاملة بالمثل كما هو واضح من الصراع الدائر في غرب وشرق البلاد وإرهاصات الانفجار في الشمال , فنحن نرى إن هذه المادة كما هو الحال في المادة (5) أعلاه , لا تصبان إطلاقاً في خانة تعزيز الوحدة الوطنية الراسخة والمستدامة , لذلك فإننا كنا وما زلنا ندعو وبشدة للتطبيق الواعي والعلمي لنظام الحكم الفدرالي (الاتحادي) الجغرافي البحت , حتى تحس جميع أقاليم البلاد بالمساواة والهارمونية في الحقوق الإدارية والسياسية , ومن نافلة القول والعزف على المتون أن نشير هنا , إلى أن هذه المادة وشبيهاتها هي نتاج طبيعي للسمة الثنائية والإقصائية التي صاحبت مباحثات نيفاشا واتفاقية التسوية السلمية بين الإنقاذ والحركة الشعبية والتي قد اعتبرت المرجعية الأولى مع دستور 1998م عند كتابة هذه المسودة التي بين يدينا.ما نريد أن نقوله هنا هو , أن تخصيص أي إقليم مهما كان بنظام حكم قائم بذاته وتضمينه في الدستور ليس من مقومات الوحدة في شئ , يجب أن يكون هنالك مستويان فقط للإدارة السياسية وهما المستوى القومي أو الاتحادي , ثم المستوى الولائي أو الإقليمي , حيث تتساوى جميع أجزاء البلاد في نوع ومدى الظل الإداري , فمثلاً هذه المادة أنتجت بندين لمستويين من مستويات الحكم , مما يؤسس لنوع من التفرقة الإدارية السياسية , ونعني بذلك البندين :

(ب) ((مستوى الحكم في جنوب السودان , الذي يمارس السلطة فيما يتعلق بأهل جنوب السودان وولاياته.))

(ج) (( مستوى الحكم الولائي الذي يمارس السلطة على مستوى الولايات في كل أنحاء السودان ويقدم الخدمات العامة من خلال المستوى الأقرب للمواطنين.))

8/ في نقد باب الحرمةِ من الرق والسخرة: المادة (30) / (2) وتقرأ هكذا :

{ لا يجوز أرغام أحد علي أداء (عمل ) قسراً إلا كعقوبة تترتب علي الإدانة بوساطة محكمة مختصة .) فنحن نتساءل هنا ماذا سيكون نوع هذا العمل ..؟ هل هو( العمل أو الأعمال الشاقة المؤبدة !! )، هذا الحكم الجنائي الذي ظللنا نسمع به ونرى ممارسته منذ فترة طويلة في منطقتنا وهو لا يمت بأي صلة بمواثيق حقوق الإنسان واحترام أدمية البشر حتى وإن كانوا جناة. لقد رأينا في الدول المتقدمة إستخدام عقوبات في حالات المدانين في مخالفات مدنية بأن تفرض عليهم المحكمة المختصة القيام بأعمال اجتماعية مفيدة ومنتجة ولفترة زمنية محددة في خدمة المجتمع والوطن والمواطنين , أو الحكم القضائي الذي يطلق عليه بالفرنجة : (COMMUNITY SERVICE TIME) , مثل رعاية الأيتام والمشردين أو مساعدة العجزة وذوي الحاجات الخاصة في عبور الطرقات , وما إلى ذلك من الأعمال الاجتماعية التي تعتبر طوعية في الأحوال العادية , ولكنها تتحول إلى عقوبة تعذيرية عندما يفرضها القاضي على المدان في قضية من القضايا المدنية الاجتماعية الخفيفة , ولكن هذه المادة تترك الحبل على القارب بصيغتها الراهنة , وتتيح للمحكمة المختصة إرغام المدان على أداء (عمل) هكذا إطلاقاً من غير تحديد أو تقييد نوع العمل , وهذا في رأينا إطلاق لا يجوز في دستور انتقالي من المفترض أن يؤسس لمبادئ مراعاة حقوق الإنسان واحترام آدمية البشر وكرامة المواطنين.

9/ في نقد مفهوم حقوق المرأة والطفل:

المادة(32) / (2): { تعزز الدولة حقوق المرأة من خلال التميز الإيجابي }. هذه المادة واضح إنها تشير إلي قولة الحق القديمة التي أريد بها باطل وهي تخصيص نسبة من المقاعد في الأجهزة التشريعية وغيرها للمرأة في الوقت الذي فيه من المفترض أن يصل إلي تلك المقاعد صاحب الكفاءة والشعبية عبر صندوق الانتخابات ، ونحن نقول إن هذه الممارسة لا تعين المرأة إطلاقاً علي المقدرة في تطوير نفسها بالثقافة والفكر والمعرفة من أجل أن تكون أهلاً للمنافسة والقيادة الشرعية وإننا نعتقد ونؤمن إيماناً راسخاً بأن تأهيل المرأة وتقديمها لقيادة المسيرة يقع علي عاتق الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وليس علي التمييز الدستوري في بلد أعطي المرأة حقوقها السياسية والاجتماعية والقانونية كاملة غير منقوصة ، فالتميز الإيجابي للمرأة أن قصد به ذلك فنحن نعتبره خلط للسم مع الدسم ، وهو بمثابة مخدر لنشاط المرأة ، ولن تحرص المرأة السودانية إطلاقاً علي تطوير نفسها وتثقيفها الذاتي إن هي علمت تماماً إنها سوف تمثل بثلاثين في المائة في الجهاز التشريعي مثلاً إن هي اجتهدت أو لم تجتهد لنيل ذلك الشرف ، فتركن على ذلك ويتبلد إبداعها وإيجابيتها , فدعونا نفكر بطريقة أكثر عمقاً من ذلك ونبتدع الصيغ التي تحفز المرأة للمشاركة الإيجابية في الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة والمنظمات الطوعية والأنشطة السياسية والاجتماعية والأدبية والثقافية المختلفة ونعلمها وندربها كيف تنافس الآخرين وتصل للمواقع القيادية المختلفة بقدرتها الذاتية واجتهادها الخاص وليس عن طريق المنح والصدقات عبر التمييز الإيجابي .

10/ في نقد نص تقييد عقوبة الإعدام: المادة (36) / (1): وتقرأ:

{ لا يجوز توقيع عقوبة الإعدام إلا قصاصاً أو حداً أو جزاءاً علي (الجرائم بالغة الخطورة) بموجب القانون }. وهذه أيضاً إحدى ثغرات موجب القانون والصياغات المبهمة والقابلة للاجتهاد السلبي والمخل بأغراض الدستور. فما هي هذه الجرائم بالغة الخطورة ؟؟ وما هي الجهة التي تحدد درجات هذه الخطورة ؟؟، هل هي مؤسسة رئاسة الجمهورية ؟ أم هي مؤسسة أهل الحل والعقد الوهمية ؟، أم هيئة علماء السودان؟، أم الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان !! , التي أفتت مؤخراً بحرمة الدعاء للموتى من الفنانين، ولاعبي كرة القدم وارتداد من ينضم لتنظيم الحركة الشعبية لتحرير السودان أو التعامل معها تجارياً وخروجه من الملة !! أن هذا الاستثناء المزيل بعبارة (بموجب القانون) من السهل جداً استخدامه كما حدث سابقاً في تاريخنا القديم والحديث من قبل الدولة لتصفية خصومها السياسيين والفكريين جسدياً وبموجب القانون ..!!، فعليه إننا نهيب بمشرعينا أن يكفونا ويكفوا أجيالنا القادمة شرور تلك الصيغ الدستورية الخطيرة.

11/ في نقد باب حرية التجمع والتنظيم:

المادة (40) / (3) / (ب) والتي تقول الآتي:( لايحق لأي تنظيم أن يعمل كحزب سياسي على المستوى القومي أو مستوى جنوب السودان أو المستوى الولائي ما لم يكن لديه : برنامج لا يتعارض مع نصوص هذا الدستور)

وهنا يأتي أحد أهم الأسباب التي جعلتنا نركز قليلاً في ديباجة هذا التبيان على تذكير المشرعين بأن هذا الدستور انتقالي, ويجب أن يفهم على هذا الأساس , ولقد أسمته الدولة ومفوضية الدستور ولجنة مراجعة الدستور بهذا الاسم , ثم تأتي في هذه المادة لتقيد شرعية عمل ووجود الأحزاب بأن لا تتعارض برامجها مع نصوصه , فكيف يستقيم ذلك يا أهل الرأي والمشورة ؟؟ وكيف يدعي الطرفين الرئيسيين في تسوية نيفاشا السلمية بأنهما اتفقا على أسس الديمقراطية والتعددية , ثم يأتيان ويجيزا ويمرران مثل هذه المادة التي تنسف أهم أسس التحول الديمقراطي الكامل ..!!

فدعونا نضرب مثالاً ثم نتساءل عن خطورة هذه المادة على مرحلة التحول الديمقراطي , فمثلاً إننا كاشتراكيين ديمقراطيين وحدويين لا نؤمن إطلاقاً بالتمييز الإيجابي للمرأة كما بينا سابقا , كما إننا نمتلك رؤيا واضحة وبرنامج سياسي واقتصادي متكامل ويتضارب كلياً مع مبدأ فتح الباب على مصراعيه لخصخصة التعليم وخاصة في مرحلة الأساس , وأيضاً لنا رأي واضح ومنشور في الوسائط ضد القسمة الضيزى للثروة والسلطة التي جاءت في منتجع نيفاشا , ونتحفظ كثيراً على مبدأ حق تقرير المصير على الرغم من أننا أعلنا بأننا سنتعامل معه على أنه أمر واقع (DEFACTO) , ولكن هل هذه المادة سوف تمنعنا من أن نبين في برنامجنا السياسي وجهة نظرنا هذه أم ماذا ؟؟ وعليه فإننا نعتقد , أنه في نهاية المطاف إن هذا الشرط في الدستور هو شرط تعجيزي وضوء أخضر لدولة الإنقاذ والحركة الشعبية لممارسة العزل والإقصاء الفكري والسياسي.

12/ في نقد اختصاصات رئيس الجمهورية:

المادة (58) / (ل) : ( ينشد رأي المحكمة الدستورية في أي مسألة تنشأ حول الدستور.) إن كلمة ينشد هنا شديدة (النعومة) وقد تتعارض في معناها البعيد مع نصوص المادة (122) والتي تقرر اختصاصات المحكمة الدستورية في حراسة الدستور , وتفسير النصوص الدستورية , والفصل في المنازعات والإستئنافات , والاختصاص الجنائي في مواجهة رئيس الجمهورية , وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية. فإننا نرى إن كلمة ينشد هذه تدل على (الاستئناس) فقط برأي المحكمة الدستورية وليس التقيد به , وحتى من ناحية صياغة لغوية فمناشدة رأي جهة ما , لا تندرج بأي حال من الأحوال تحت معنى الاختصاصات , وعليه فإننا نرى أنه كان من المفروض أن تكون هنالك مادة دستورية كاملة تحت عنوان (واجبات رئيس الجمهورية) تلزم رئيس الجمهورية بالخضوع التام لرأي المحكمة الدستورية والتقيد بأحكامها وتفسيرها للدستور, وأن تكون لها المرجعية العليا في تفسير الدستور , وسلطاتها تعلو فوق سلطات رئيس الجمهورية , ولذلك فإننا نادينا دائما بأن ينتخب قضاة المحكمة الدستورية ديمقراطياً ولا يعينهم رئيس الجمهورية كما جاء في نصوص المادتين (120) / (1) و (121) / (1) حتى نقلل من شبهة الولاء الضار بمبدأ الفصل بين السلطات , وتلك هي الديمقراطية الشفافة التي نفهمها وننشدها , لا أكثر ولا أقل.

13/ في نقد أجل ولاية رئيس الجمهورية:

المادة(57): ( يكون أجل ولاية رئيس الجمهورية 5 سنوات تبدأ من يوم توليه لمنصبه, ويجوز إعادة انتخابه لولاية ثانية فحسب.) مقروءة مع المادة (69)/(2) والتي تقول (في حالة اختيار مواطني جنوب السودان الانفصال يستمر رئيس الجمهورية في منصبه إن كان من الشمال , أما إذا كان من الجنوب فيعتبر مستقيلاً ويتولى النائب الأول منصب رئيس الجمهورية ليكمل أجل الولاية لحين إجراء الانتخابات القادمة.)

معلوم لدينا , وحسب اتفاقية نيفاشا والتي هي جزء من هذا الدستور , إن تاريخ انتخابات رئيس الجمهورية لم يحدد وترك لاتفاق حزبي المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية التي ستكون حاكمة هي أيضاً , وكما نصت هذه المادة الأخيرة إن رئيس الجمهورية الحالي أو النائب الأول الشمالي سيكمل أجل الولاية لحين إجراء الانتخابات القادمة والتي لم تحدد بعد !!

وعليه فإننا نتساءل, هل نحن موعودون بولاية طويلة الأمد لمنصب رئاسة الجمهورية, غير مقيدة بتاريخ, وخاصة إن اختار مواطني الجنوب خيار الانفصال ؟؟ فنحن نقول أنه كان من المفترض أن ينص في هذا الدستور على أن الولاية الجديدة لرئيس الجمهورية الحالي تبدأ يوم أدائه القسم في التاسع من يوليو 2005م وتنتهي إما بنهاية الفترة الانتقالية كحد أقصى أو إذا أجريت انتخابات مبكرة إذا اتفق جميع السودانيين على ذلك.

14/ في نقد طريقة عمل الهيئة التشريعية القومية:

المادة (83) / (2) :- ( تؤدي الهيئة التشريعية القومية أعمالها التي يحددها هذا الدستور في جلسات مشتركة للمجلسين يرأسها رئيس المجلس الوطني ويكون رئيس مجلس الولايات نائباً له.)

لقد رحبنا كثيراً بفكرة أن تتكون الهيئة التشريعية القومية من مجلسين لأن ذلك مطروح في برنامجنا السياسي الخاص يشكل الجهاز التشريعي وهو من الآليات التي تعزز التسلسل التشريعي الناجح في نظام الدولة الديمقراطية الحديثة , ولكن هذه المادة جاءت لتفرغ هذه الهيكلية من مضمونها وذلك بدمج أعمال المجلسين تحت قبة واحدة.

إن من المعلوم والواضح لدينا , وحسب فهمنا لانتقالية هذا الدستور فهو بمثابة آلية للتأسيس للوحدة الوطنية الراسخة بين جميع أبناء أقاليم السودان عامة , وخاصة أبناء جنوب السودان , وأمام هذا الدستور والذين سيرعونه وينفذونه , مهام جليلة وتاريخية , على رأسها جعل خيار الوحدة الوطنية هو الخيار الحتمي لأبناء الجنوب , ولا نقول جاذباً فحسب , وأيضاً على الجانب الآخر يجب علينا في الفترة الانتقالية , وبداية بهذا الدستور أن لا نبعث رسائل ضارة وخطيرة لأبناء الأقاليم الأخرى , بأن حقوقهم قد تهضم والجميع مشغولون فقط بتنفيذ خارطة طريق تسوية نيفاشا السلمية , التي ركزت على إرضاء الحركة الشعبية فقط , وأعطت البقية الوعود فقط والشعارات الإنشائية الرنانة. وعليه وفي هذه المرحلة الانتقالية الحساسة , والتي نحسب إنها لو أخذت بحقها , ستؤسس ولأول مرة في تاريخ السودان للفهم الصحيح والإعلان الواضح للهوية والوحدة السودانية الوطنية , فكان لزاماً على هذا الدستور , وإلى حين , أن يقر حق النقض ( الفيتو ) لجميع ولايات السودان , وأن تتخذ كل قرارات مجلس الولايات بالإجماع , وليس بالغالبية العادية كما سنرى في المادة 97/2 أدناه , وأيضاً في هذه المادة , كان يجب أن بنص الدستور على أن الأصل في طريقة عمل مجلسي الهيئة التشريعية القومية , هو الاستقلالية التامة , بل أن مجلس الولايات يجب أن يكون له اليد العليا , خاصة في التشريعات التي لها أي علاقة بقسمة السلطة والثروة , أو التشريعات السيادية.

15/ في نقد نصاب مجلس الولايات :

المادة (97) / (2): وتقول (يكون نصاب مجلس الولايات أكثر من نصف عدد الممثلين ).

إن هذه المادة مبتورة وليست شافية , وقد تؤدي إلي إيقاع الظلم بولاية أو أكثر من ولايات السودان , كما بينا سابقاً , فالسؤال الأول الذي يطرح نفسه : ماذا قصد هذا النص بتعبير أكثر من نصف عدد الممثلين" هل يعني ذلك (50% +1) أم أكثر ؟؟ والسؤال الثاني : ماذا لو كان الغياب غياباً كاملاً لممثلي ولاية أو أكثر وكان إنعقاد مجلس الولايات لإبتدار تشريعات حول نظام الحكم اللامركزي أو مسائل أخري ذات مصلحة للولايات ؟ فهل من المنصف أن يتم النصاب بأكثر من نصف عدد الممثلين وكان هنالك غياباً كاملاً لعشرة ولايات مثلاً , والذي سيكون عددهم عشرين عضوا , وحينها سيكون الحضور أربعة وثلاثون عضوا و سيكونون ممثلين للستة عشر ولاية الباقية زائداً ممثلي منطقة أبيي , التي أعطاها هذا الدستور مقعدين في مجلس الولايات كمراقبين , إن كان ممثليها من الحاضرين ..؟؟.

16/ في نقد المراسيم المؤقتة والتدابير المؤقتة والإضافية:

المادتين: (109) / (1) و (113) / (1)

هاتين المادتين تجوزان لرئيس الجمهورية إصدار مراسيم مؤقتة في حالة عدم إنعقاد الهيئة التشريعية القومية , بحيث تكون لها قوة القانون النافذ على أن تعرض لاحقاً على الهيئات التشريعية عند انعقادها , فإذا رفضت هذه القوانين بواسطة أي من المجلسين أو انقضت الدورة البرلمانية دون إجازتها , فيزول مفعولها دون أثر رجعي لرفض المشروع أو تعديله. وعليه فإننا نتساءل هنا, هل رئيس الجمهورية شخص معصوم من الخطأ ؟؟ فما ذا لو تضرر أحد المواطنين أو أي جهة ذات شخصية اعتبارية من جراء تلك المراسيم المؤقتة معنوياً أو مادياً أو اقتصاديا في فترة نفاذها كقوانين !! وأين مبادئ التعويض و المحاسبة في نصوص هذا الدستور ؟؟

17/ في نقد اختصاصات المحكمة القومية العليا : المادة (125) / (1) / (ب) :

تنص هذه المادة على الآتي ( أن تكون المحكمة القومية العليا ذات اختصاص جنائي على قضاة المحكمة الدستورية. ) ونحن نعتقد إن هذه المادة مبتورة أيضاً وليست محكمة الصياغة الدستورية , وبصيغتها هذه , فإنها تهدد استقلالية المحكمة الدستورية ومرجعيتها العليا في حراسة وتفسير القانون الأساسي للبلاد , وتهدد أيضاً إحساس قضاتها بالأمن والحماية , ولذلك فإننا نرى أن تعاد صياغتها , وأن يشار فيها إلى نوع من الحصانة الدستورية العالية لقضاة المحكمة الدستورية.

18/ في نقد موجهات للاستيعاب في الخدمة المدنية القومية: المادة (136) / (5)

(استخدام التمييز الإيجابي والتدريب الوظيفي لتحقيق أهداف الاستيعاب المنصف خلال مدي زمني محدد).

هنا أيضا استخدم الدستور هذا التعبير المبهم (التمييز الايجابي) فإن كان يقصد به هنا قطاع المرأة فلقد بينا رأينا في ذلك سابقاً..أما إن كان يقصد به هنا الإخوة الجنوبيين أو مواطني أقاليم السودان الأخرى المهمشة أيضاً فإننا نعتقد بأن هذه بدعة لن تكون موفقة أبداً لأننا نخشى و نحذر من تصحيح خطأ بخطأ آخر . فإن الخدمة المدنية قد دمرت بطريقة مؤسسة خلال ال16 سنة الماضية وذلك باستخدام "التمييز السلبي" تحت شعارات أهل الولاء والتمكين ونخشى عند استخدام هذا التمييز الايجابي المقترح في هذه المادة بأن تأتي برجال ونساء غير مؤهلين وغير مناسبين في أمكنة غير مناسبة حتي يقال علينا فقط بأننا عدلنا في توزيع وظائف الخدمة المدنية وعليه فإننا نقول يجب علينا أن نكثف التدريب الوظيفي وقبل ذلك أن نخرج بوسائل التنمية المادية والبشرية إلي الأقاليم ونعتقد بأن الفرصة مواتية وذلك بما نتوقعه من تدفق للاستثمارات والدعم الدولي لإعادة البناء فقط يجب علينا أن نوظف كل ذلك بحيدة وشفافية ومسؤولية ونزاهة.

19/( في نقد إعادة النظر في المفوضية القومية للمراجعة الدستورية):المادة (140) /(2): (يجوز لرئاسة الجمهورية إعادة النظر في تكوين ومهام المفوضية ).

إن فهمنا لهذه المفوضية ومهامها هي محاولة سد الثغرات ودرء المخاطر عن الإجماع الوطني , وجمع الشمل من خلال تجويد الدستور حتى تتحقق شمولية السلام ووحدة الصف , ولذلك فإن هذه المادة بصيغتها الحالية تدعو إلى القلق , لأنها تُجَوِّز لرئاسة الجمهورية إعادة النظر في هيكل وصلاحيات هذه المفوضية , وذلك قد يكون في الاتجاه السالب بنفس القدر الذي قد يكون فيه في الاتجاه الموجب , وبما أن الدستور حارس وحامي من النزعات السلبية في الطبيعة البشرية , فكان من الأجدى تجويد هذه المادة , وإعطائها صيغة أكثر وضوحاً حتى تصب مباشرة في اتجاه التجويد والترقية القانونية.

20/ في نقد استحقاقات الوقف الدائم لإطلاق النار:

المادة (147/2):(يراقب الوقف الدائم لإطلاق النار دولياً ويكون ملزماً إلزاماً كاملاً لكل السودانيين) إننا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الوحدوي ننطلق من مبادئ السلام ولقد دعونا منذ انطلاقتنا الأولى إلي نبذ العنف و أعلنا مبدأ النضال المدني والمعارضة السلمية وسنقف بكل ما نملك مع الوقف الدائم لإطلاق النار ولكننا وبكل صراحة نري في هذه المادة استعلاءاً واضحاً وقفزاً في الفضاء غير مبرر خاصة وأن هذا الدستور انتقالي ومازالت المباحثات جارية في أبوجا مع حركتي دارفور المسلحتين ومازال صوت الرصاص يسمع في الجبهة الشرقية ولذلك فنحن نري إن هذه المادة تبعث رسالة غير مناسبة في هذا الوقت بالذات الذي ندعو فيه إلي وحدة الصف والرؤى القومية الشاملة , والتواضع الفكري والسياسي ودعونا نسأل ممثلي الحركة الشعبية الذين يشاركون في مفوضية ولجنة مراجعة الدستور , هل كانوا سيقبلون هذا النص إن كانوا ما يزالون يتحدثون بلغة الرصاص من جهة ويتباحثون في نيفاشا من الجانب الآخر كما هو الحال الآن مع حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة وجبهتي الشرق !! , ولا نعتقد إن ردهم سيكون بالإيجاب, وعليه فإننا نهيب بهم وبالجميع أن يتداركوا مثل هذه التشريعات والتصريحات الضارة.

21/ في نقد اقتسام عائدات البترول:

إن المادة (192) / (1) تقول:ــ (يقتسم صافي عائدات الثروة الناتجة من استخراج الموارد الطبيعية في جنوب السودان في إطار الموازنة بين احتياجات التنمية القومية واحتياجات إعادة تعمير جنوب السودان ) ونحن نعتقد إن هذه المادة كانت ستكون شافية وكافية للغاية إن لم تقرأ مع البند (6) من نفس المادة والذي يقول (( بعد الدفع لحساب استقرار إيرادات البترول والولايات المنتجة ، تخصص لحكومة جنوب السودان ابتداء من أول الفترة قبل الانتقالية خمسون بالمائة من صافي عائد البترول المستخرج من آبار البترول المنتجة في جنوب السودان، وتخصص الخمسون بالمائة المتبقية للحكومة القومية ، وولايات شمال السودان )) وهذه هي القسمة الضيزي التي عنيناها سابقاً ، ولكن ماذا سنقول في بنود تسوية سلمية بين فصيلين مسلحين تفرض فرضاً لتصيرا من صميم قانون أساسي سيتحاكم إليه جميع أهل السودان ...!!

أما البند السابع من نفس المادة فيقول :ــ (( ينشأ صندوق لأجيال المستقبل عندما يصل الإنتاج القومي للبترول إلي مليون برميل يومياً )). فنرجو من العلماء الذين صاغوا هذا النص أن يتكرموا علينا ويفسروا لنا معناه !! وما هي هوية هذا الصندوق ولماذا ليس الآن إن هو بهذه الأهمية التي جعلته يُضَمَّن في الدستور وما هو سر المليون برميل يومياً ، كل هذه استفسارات نرجو أن نجد لها الإجابة قبل أو بعد إجازة هذا الدستور .

22/ في نقد النظام المصرفي المزدوج :ـــ

أنه من الواضح لكل ذو بصيرة ويعيش علي كوكب الأرض ، إن المادة (201) ببنودها الثلاث امتداد وتكريس واضح للانفصام والازدواجية , ولا تتطلب هذه السياسة المصرفية لاقتصادي عبقري فقط لتنفيذها ، إنما تحتاج إلي ساحر ليفعل ذلك و وفي نفس الوقت يستطيع أن يبقي علي أي ذرة من شعرة لمعاوية في وحدة الهدف والمصير ، والوحدة الاقتصادية والسياسية والفكرية والاجتماعية للسودانيين , وخاصة عندما تقرأ هذه المادة مع صويحباتها , المواد 5/1 و5/2 والمادة 24 و المادة 192/6 , فهذه المواد مقروءة مع جميع إستحقاقات قسمة السلطة والثروة المتفق عليها في نيفاشا , لن تؤدي بأي حال من الأحوال إلى سلم إجتماعي بين السودلنيين. ونص المادة (201) هو:-

(1) يكون بنك السودان المركزي مسئولاً عن وضع وتطبيق السياسة النقدية , وتخضع كل المؤسسات المصرفية للنظم واللوائح التي يضعها.

(2) ينشأ نظام مصرفي مزدوج يتكون من نظام إسلامي يعمل به في شمال السودان ونظام تقليدي يعمل به في جنوب السودان.

(3) ينشأ بنك جنوب السودان كفرع من بنك السودان المركزي ليقدم , إضافة إلى مهامه الأخرى , الخدمات المصرفية التقليدية.

23/ في نقد عقود النفط السارية :

أعطت المادة (208) / (1) ممثلو الحركة الشعبية لتحرير السودان, ووفقاً (لاتفاقية السلام الشامل .. !! ) الحق للإطلاع على كافة عقود النفط السارية , وطلبت منهم أن يفرغوا من أداء مهامهم وواجباتهم المنصوص عليها بأعجل ما تيسر , ثم جاء البند (3) من نفس المادة ليقول: (( لا تخضع عقود النفط السارية لإعادة التفاوض )). ثم تراجع الدستور في البند (4) لينص على )) إذا قدر أن عقود نفط سارية من شأنها تسبيب مشكلات اجتماعية أو بيئية , فعلى الحكومة القومية اتخاذ التدابير التصحيحية اللازمة )) . إن هذا الدستور واضح جداً أنه وضع ليناسب ويحمي فقط مصالح أهل الإنقاذ وتطلعات منتسبي الحركة الشعبية , ولا أحد أو جهة سواهما , وإلا فليعلمنا واضعي هذه الوثيقة , كيف سيقدر لنا نحن شماليين وجنوبيين والذين لا ننتمي لا للإنقاذ ولا للحركة الشعبية , أن نعلم إن كنا متضررين من هذه العقود أم لا , ونحن ليس مسموح لنا بالاطلاع عليها , ولماذا لا تخضع هذه العقود لإعادة التفاوض إن اكتشف الذين خضعت لهم الإنقاذ , ممثلو الحركة الشعبية , شبهة فساد , أو جور وقع عليهم أو على أهل السودان جميعاً بسبب هذه العقود السارية ؟؟ إننا نطالب ومع إرهاصات انطلاقة مرحلة التحول الديمقراطي , وإعلاء لمبدأ الشفافية , أن يفتح هذا الملف الساخن , ملف عقود البترول السارية , وأن يكون متاحاً لكل السودانيين من غير تمييز , ليتأكدوا من أن حقوقهم لم تغتصب , إلا إن كان أهل الإنقاذ يضعونه في خانة العورات التي يجب سترها ..!!

24/ في نقد آلية الاستفتاء على تقرير المصير :

بالإضافة إلى ما ذكرناه في كل أدبياتنا , وأيضاً في نقد هذا الدستور واتفاقية نيفاشا , عن تحفظاتنا المبدئية على حق تقرير المصير , فلقد جاءت المادة (222) / (2) , لتؤكد لنا إحساسنا الذي عبرنا عنه سابقاً في هذه الورقة , بأن الذين صاغوا هذا الدستور , كتبوه وهم أبعد مايكونون عن الحالة النفسية والفكرية للذي يشرع لدستور ومرحلة انتقاليين , حيث تقول المادة:

(2) يصوت مواطنو جنوب السودان إما:

(أ) لتأكيد وحدة السودان بالتصويت باستدامة نظام الحكم الذي أرسته اتفاقية السلام الشامل وهذا الدستور , أو

(ب) اختيار الانفصال.

ولا نعتقد بأننا في حوجة لأي تعليق إضافي , واللبيب بالإشارة يفهم .... !!

25/ في نقد آلية تعديل الدستور :

من الواضح جداً , وبناءاً على علم الحساب البسيط , واستحقاقات قسمة السلطة بين الإنقاذ والحركة الشعبية , والمضمنة في هذا الدستور , فإن هذا الدستور الانتقالي لن يعدل إلا برضاء هذين الشريكين , حيث تقول المادة (224):(1) (لا يجوز تعديل هذا الدستور إلا بموافقة ثلاثة أرباع جميع الأعضاء لكل مجلس من مجلسي الهيئة التشريعية في اجتماع منفصل لكل منهما , وبشرط أن يقدم مشروع التعديل قبل فترة شهرين على الأقل من المداولات.)

(2) (لا تطرح التعديلات التي تؤثر على نصوص اتفاقية السلام الشامل إلا بعد موافقة طرفيها).

خــــــاتــــــــمــــة

حتي نختم مساهمتنا هذه بموضوعية وإنصاف كما بدأناها , علينا أن نسجل , أن من حسنات مسودة الدستور هذه , والجوانب المضيئة فيها هو الباب الثاني والذي خصص بكامله لورقة ( وثيقة الحقوق ) , والتي جاءت في اثنتين وعشرين مادة , وهي إن أخذت بحقها ونفذت بحذافيرها , فإننا من غير شك موعودون بتحول ديمقراطي حقيقي , وسنؤسس بإذن الله لدولة القانون والحريات والمساواة الحديثة , والتي ستخلق الانتماء الوطني الحقيقي والغير مزيف , والذي كان مفقوداً لسنين عديدة , ونحن نعتقد بأن مثل هذه الوثيقة هي الآلية المناسبة الوحيدة التي ستدعم رؤيتنا الجديدة لمفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية السودانية , والتي نعتقد بأنها يجب أن تكون نوع جديد من الثورات تناسب عهداً جديداً , فلقد جربت جماهير شعبنا العملاقة الثورات الانتفاضية الشعبوية في أكتوبر 64 وأبريل 85 , كما جربت النخبة بالتحالف مع المؤسسة العسكرية , خيار الثورات الانقلابية في نوفمبر58 ومايو69 ويونيو 89 ,وفشلت بلادنا ومنذ الإستقال ولمدة أكثر من نصف قرن , في أن تؤسس لعقيدة وطنية واحدة وموحدة , فشلت جميع تلك التجارب في أن تستوعب ميزة التنوع الشامل التي حبانها بها الخالق , في بطاقة هوية سودانية دائمة وجامعة , هوية يحملها المواطن في جيبه وعقله وقلبه ويعتز بها ويدافع عنها وعن الدولة التي أصدرتها , لأن هذه الدولة تسهر على راحته , وتعطيه حقوقه كاملة غير منقوصة ومن غير من ولا أذى , ولا تتعالى على نبض قلبه وشارعه , ونفس هذه الهوية يحملها كل تنفيذي في قيادة الدولة , يحترمها ويحميها بكل تجرد ونكران ذات , لأنه يعلم بأنها هي نفس الهوية التي تحملها الجماهير والتي ستحمي أركان سلطانه من أي طارئ أو مخترق.إننا نحسب بأن التاسع من يوليو2005م , وعلى الرغم من أنه يوم كأي يوم من أيام الخالق, ولكنه يمثل صافرة البداية , لمرحلة الثورة الجديدة , ثورة الفكر والعقل , ثورة مدنية سلمية , ثورة ثقافية منهجية , ثورة ساحاتها في العقول ومناهج التعليم والسياسة والإدارة والممارسات الاجتماعية , وليست في الغابات أو على ظهر الدبابات , ونتمني أن لا تكون أيضاً في الشوارع وتجمعات الجماهير التظاهرية , لأن هذا أيضاً نوع من العنف المدني , ولكنه عنف قانوني ودستوري في الدولة الديمقراطية الحديثة , فنحن نتمنى على الذين سيكونون في طاقم إدارة الدولة أن يكفونا شر هذا العنف القانوني , وذلك يكون بأخذ الدستور بحقه , وخاصة كل ما جاء في باب وثيقة الحقوق.

وختاماً فإننا ندعو أن يعيش نضال الشعب السوداني الحر أبداً , وأن تزدهر وتقوى مفاهيم الوحدة الوطنية السودانية , وأن ترسخ في الأجيال بطاقة الهوية السودانية المتميزة ... !!

مع تحيات وفائق احترام وتقدير

أمانة المكتب السياسي /الحزب الاشتراكي الديمقراطي الوحدوي

الخرطوم بحري / مقر اللجنة التأسيسية العليا

في يوم الثلاثاء الموافق 4/ يوليو / 2005م

Hashd610@hotmail.com جوال:0912355113 - 0912811703

ليست هناك تعليقات: